أوقات عصيبة

ولد تشارلز ديكنز في بلدة لاندبورت قرب ميناء بورتسموث في السابع من فبراير سنة 1812 وتوفي بمقاطعة كِنت قرب بلدة روشستر في التاسع من يونية سنة 1870.

ومن العجيب أن تشارلز ديكنز لم يذهب إلى المدرسة سوى فترة لا تتجاوز أربع سنوات. ومع هذا صار من أكبر الأدباء في اللغة الإنجليزية، ومن أدباء العالم البارزين برواياته التي تعتبر تراثًا إنسانيًّا.

وقد سلخ كاتبنا العظيم طفولة ملأى بالآلام والمتاعب، وتراكمت الديون على والده فزج به في السجن وعمره عشر سنين. وألفت أمه نفسها عاجزة عن إعالة أطفالها الأربعة، فحملتهم إلى السجن ليعيشوا جميعًا على نفقة الدولة مع زوجها الحبيس. أما الولد الخامس تشارلز فشق طريقه بعد جهد جهيد إلى العمل في مصنع لزجاجات الدهان التي تستخدم لتلميع الأحذية؛ فعانى ويلات تشغيل الأحداث في المصانع، وعرف عن كثب جحيم الطفولة المشردة، فكم من ليلة قضاها مع المشردين الصغار في جحر واحد، فلمس خفايا نفوسهم عن كثب.

ولم يعرف ديكنز الشقاء في الطفولة فحسب، بل مُنِي أيضًا بالشقاء في حياته الزوجية، فقضى ثلاثة وعشرين سنة مع زوجة لا يشعر نحوها بأدنى حب. وإن كان ذلك لم يحل دون إنجابه منها عشرة أطفال! وفي الوقت الذي كان العالم المتحضر كله يمجد ويجلّ الكاتب العبقري، نصير الطبقات المغبونة والمعاني الإنسانية الرفيعة، والمبشر بالمحبة والتراحم، كان بيته مثالًا للشقاء.

وهكذا جنى ديكنز العلقم في أطوار حياته الخاصة جميعًا، ومن هذه النار التي اكتوى بها قدّم للإنسانية أدبه الصادق المشرق العميق.